سورة فصلت - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{وقيضنا لهم} أي بعثنا ووكلنا وقيل هيأنا لهم وسببنا لهم {قرناء} أي نظراء من الشياطين حتى أضلوهم {فزينوا لهم ما بين أيديهم} أي من أمر الدنيا حتى آثروهم على الآخرة {وما خلفهم} أي فدعوهم إلى التكذيب بالآخرة وإنكار البعث وقيل حسنوا لهم أعمالهم القبيحة الماضية والمستقبلة {وحق عليهم القول} أي وجب {في أمم} أي مع أمم {قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} يعني مشركي قريش {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} قال ابن عباس: والغطوا فيه من اللغط وهو كثرة الأصوات كان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم محمداً يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر وقيل أكثروا الكلام حتى يتخلط عليه ما يقول وقيل والغوا فيه بالمكاء والصغير وقيل صيحوا في وجهه {لعلكم تغلبون} يعني محمداً على قراءته {فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ} يعني بأسوأ {الذي كانوا يعملون} أي في الدنيا وهو الشرك {ذلك} أي الذي ذكر من العذاب {جزاء أعداء الله} ثم بين ذلك الجزاء فقال {النار لهم فيها دار الخلد} أي دار الإقامة لا انتقال لهم عنها {جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا} أي في النار {ربنا} أي يقولون يا ربنا {أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس} يعنون إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنَّا المعصية {نجعلهما تحت أقدامنا} أي في النار {ليكونا من الأسفلين} أي في الدرك الأصفل من النار وقال ابن عباس: ليكونا أشد عذاب منا.


قوله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} قال أهل التحقيق كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته لأجل العمل به، ورأس المعرفة اليقينية معرفة الله تعالى وإليه الإشارة بقوله: {إن الذين قالوا ربنا الله} ورأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيماً في الوسط غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط فتكون الاستقامة في أمر الدين والتوحيد فتكون في الأعمال الصالحة. سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال: أن لا تشرك بالله شيئاً وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب.
وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: استقاموا أخلصوا في العمل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أدوا الفرائض، وهو قول ابن عباس. وقيل استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه، وقيل: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله وكان الحسن إذا تلا هذه الآية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة {تتنزل عليهم الملائكة} قال ابن عباس عند الموت وقيل إذا قاموا من قبورهم وقيل البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث {أن لا تخافوا} أي من الموت وقيل لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة {ولا تحزنوا} أي على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله وقيل لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فأنا أغفرها لكم {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم} أي تقول الملائكة عند نزولهم بالبشرى نحن أولياؤكم أي أنصاركم وأحباؤكم وقيل تقول لهم الحفظة نحن كنا معكم {في الحياة الدنيا و} نحن أولياؤكم {في الآخرة} لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة {ولكم فيها} أي في الجنة {ما تشتهي أنفسكم} أي من الكرامات واللذات {ولكم فيها ما تدعون} أي تتمنون {نزلاً} أي رزقاً والنزل رزق النزيل والنزيل هو الضيف {من غفور رحيم} قال أهل المعاني كل هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية جارية مجرى النزل والكريم إذا أعطى هذا النزل فما ظنك بما بعده من الألطاف والكرامة.
قوله تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} أي إلى طاعة الله تعالى وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل: هو المؤمن أجاب الله تعالى فيما دعاه إليه ودعا الناس إلى ما أجاب إليه {وعمل صالحاً} في إجابته وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أرى أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وقيل إن كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق فهو داخل في هذه الآية.


قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} يعني الصبر والغضب والحلم والجهل والعفو والإساءة {ادفع بالتي هي أحسن} قال ابن عباس أمره بالصبر عند الغضب وبالحلم عند الجهل وبالعفو عند الإساءة {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} أي صديق قريب، قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب وذلك حيث لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فصار ولياً بالإسلام حميماً بالقرابة {وما يلقاها} أي وما يلقى هذه الخصلة والفعلة وهي دفع السيئة بالحسنة {إلا الذين صبروا} أي على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام وما يلقاها {إلا ذو حظ عظيم} أي من الخير والثواب وقيل الحظ العظيم الجنة يعني ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه أي يبعثه إلى ما لا ينبغي ومعنى الآية وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن {فاستعذ بالله} أي من شره {إنه هو السميع} أي لاستعاذتك {العليم} بأحوالك.
قوله تعالى: {ومن آياته} أي ومن دلائل قدرته وحكمته الدالة على وحدانيته {الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر} أي إنهما مخلوقان مسخران فلا ينبغي السجود لهما لأن السجود عبارة عن نهاية التعظيم {واسجدوا لله الذي خلقهن} أي المستحق للسجود والتعظيم هو الله خالق الليل والنهار والشمس والقمر {إن كنتم إياه تعبد ون} يعني أن ناساً كانوا يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أن سجودهم لهذه الكواكب هو سجود لله عز وجل فنهوا عن السجود لهذه الوسايط وأمروا بالسجود لله الذي خلق هذه الأشياء كلها {فإن استكبروا} أي عن السجود لله {فالذين عند ربك} يعني الملائكة {يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون} أي لا يفترون ولا يملون.
فصل:
وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة وفي موضع السجود فيها قولان للعلماء وهما وجهان لأصحاب الشافعي أحدهما أنه عند قوله تعالى: {إن كنتم إياه تعبد ون} وهو قول ابن مسعود والحسن وحكاه الرافعي عن أبي حنيفة وأحمد لأن ذكر السجدة قبله والثاني وهو الأصح عند أصحاب الشافعي وكذلك نقله الرافعي أنه عند قوله تعالى: {وهم لا يسأمون} وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة لأن عنده يتم الكلام.

1 | 2 | 3 | 4 | 5